أعلنت وزارة العدل عن صدور العدد الأول من مدونة الأحكام القضائية الذي يشتمل على عدد من قرارات مجلس القضاء الأعلى بوصفه أعلى جهة قضائية في المملكة، وتعتبر قراراته ملزمة للقضاة، كما يشتمل على عدد من الأحكام القضائية النهائية الصادرة من المحاكم، وقد التزمت المدونة بإيراد نص القرارات والأحكام كاملة، بعد حذف أسماء طرفي الدعوى وما يدل عليهما حفاظا على الخصوصية وبما لا يؤثر على سرد الحكم.
وقد ورد في نظام القضاء المادة ” 89″ أن من اختصاصات الوزارة: إعداد مجموعات الأحكام المختارة للنشر، ويظهر من هذا النص أن لوزارة العدل أن تختار بعض الأحكام وتنشرها وفق خطة محددة لذلك تحقق من خلالها المقصد الأساس وهو: إطلاع الكافة على إجراءات وأحكام وقواعد الترافع في المحاكم, والأحكام الصادرة في القضايا مع ذكر أسباب هذه الأحكام وحيثياتها، ولا يخفى أنه يمكن الاستفادة من هذه المدونة – التي ستصدر أعداداها تباعا حسب تصريح وزارة العدل – لتكون مادة علمية للأبحاث الفقهية والقانونية بل والاجتماعية في جانب منها، كما ورد في المادة نفسها أن من اختصاص الوزارة: استخلاص المبادئ التي تقررها محكمة التمييز فيما تصدره من أحكام أو المبادئ التي يقررها مجلس القضاء الأعلى وتبويبها وفهرستها بحيث يسهل الرجوع إليها، والواضح من نص المادة أن هذين العملين مختلفان فلا يلزم من نشر حكم أن يكون من المبادئ المقررة في القضاء, ولا يمنع أن تقوم الوزارة بعد إصدار مجموعة أعداد من هذه المدونة أن تستخلص ما يمكن وصفه بالمبدأ ومن ثم تنشره مجردا من الحكم أو القرار.
ويأتي هذا الإصدار من وزارة العدل في ظل غياب مدونة للأحكام الفقهية” القانون المدني”, الأمر الذي يزيد من أهمية نشر الأحكام القضائية, وحرص المهتمين بها, لتبين الاتجاه الذي يأخذ به القضاء السعودي في القضايا المنظورة لديه فيما يتعلق بنظريتي العقد والحق, ووسائل الإثبات, وما يرتبط بذلك من الشروط والعقود المسماة وأحكام الأيدي والتعويض, يضاف لذلك ما يتعلق بقضاء الأسرة من فسخ وخلع ونفقة وحضانة, وفي الجانب الجنائي: نظرية التهمة وكيفية إثباتها والعقوبات وتقديرها ونحو ذلك.
وأرى أنه سيكون لهذه المدونة بعد صدور أعداد كافية منها, واستخلاص المبادئ المضمنة فيها: دور في ترسيخ قواعد فقهية وسوابق قضائية, يمكن الاحتجاج بها واعتبارها في صياغة العقود والاستشارات والتعاملات التجارية, وفي رأيي أن السوق العقارية من أكثر المستفيدين منها من جهة كونها سوقا واسعة تدار فيها رساميل هائلة في أكثر من وعاء استثماري, ومن جهة حساسية السوق العقارية من القضايا وتأثرها سلبا حال نشوء الدعوى في ذات العقار بخلاف التجارات الأخرى في المنقولات, وأخيرا لما أعتقد من أن هناك نسبة كبيرة من القضايا العقارية منظورة في المحاكم، واتفاق القضاء – في الجملة – على الأخذ بأقوال موحدة فيها, وقد اشتمل العدد الأول من هذه المدونة على بعض هذه الأحكام والمبادئ وسوف نوردها في المقالات المقبلة – إن شاء الله – ونعلق عليها.